سورة الحجر - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{ادخلوها} أي يقال لهم: ادخلوها والقائل هو الله تعالى أو بعض ملائكته {بسلام آمنين} يعني ادخلوا الجنة مع السلامة والأمن من الموت ومن جميع الآفات {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الغل الحقد الكامن في القلب. ويطلق على الشحناء والعداوة والبغضاء والحقد والحسد، وكل هذه الخصال المذمومة داخلة في الغل لأنها كامنة في القلب يروى أن المؤمنين يحبسون على باب الجنة فيقتص بعضهم من بعض ثم يؤمر بهم إلى الجنة، وقد نقيت قلوبهم من الغل والغش والحقد والحسد {إخواناً} يعني في المحبة والمودة والمخالطة، وليس المراد منه إخوة النسب {على سرر} جمع سرير. قال بعض أهل المعاني: السرير مجلس رفيع عدل مهيأ للسرور وهو مأخوذ منه لأنه مجلس سرور. وقال ابن عباس: على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل صنعاء إلى الجابية {متقابلين} يعني يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه، وفي بعض الأخبار أن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان {لايمسهم فيها} يعني في الجنة {نصب} أي تعب ولا إعياء {وما هم منها} يعني من الجنة {بمخرجين} هذا نص من الله في كتابه على خلود أهل الجنة في الجنة، والمراد منه خلود بلا زوال وبقاء بلا فناء، وكمال بلا نقصان وفوز بلا حرمان. قوله سبحانه وتعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} قال ابن عباس: يعني لمن تاب منهم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون فقال: «أتضحكون وبين أيديكم النار فنزل جبريل بهذه الآية وقال: يقول لك ربك يا محمد مم تقنط عبادي» ذكره البغوي بغير سند {وأن عذابي هو العذاب الأليم} قال قتادة بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه» يعني لقتل نفسه.
(خ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول: «إن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأدخل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار» وفي الآية لطائف منها أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه بقوله نبئ عبادي وهذا تشريف وتعظيم لهم، ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله: {سبحان الذي أسرى بعبد ه ليلاً} فكل من اعترف على نفسه بالعبودية لله تعالى فهو داخل في هذا التشريف العظيم، ومنها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة أولها قوله: أني وثانيها أنا وثالثها إدخال الألف واللام في الغفور الرحيم، وهذا يدل على تغليب جانب الرحمة والمغفرة. ولما ذكر العذاب لم يقل إني أنا المعذب، وما وصف نفسه بذلك. بل قال: وأن عذابي هو العذاب الأليم على سبيل الإخبار، ومنها أنه سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عباده هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة. قوله سبحانه وتعالى: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} هذا معطوف على ما قبله أي وأخبر يا محمد عبادي عن ضيف أبراهيم. وأصل الضيف الميل يقال ضفت إلى كذا وإذا ملت إليه والضيف من مال إليك نزولاً بك وصارت الضيافة متعارفة في القرى وأصل الضيف مصدر، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم، وقد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان وضيف إبراهيم هم الملائكة الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى، ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط {إذ دخلوا عليه} يعني إذ دخل الأضياف على إبراهيم عليه السلام {فقالوا سلاماً} أي نسلم سلاماً {قال} يعني إبراهيم {إنا منكم وجلون} أي خائفون وإنما خاف إبراهيم منهم لأنهم لم يأكلوا طعامه {قالوا لا توجل} يعني لا تخف {إنا نبشرك بغلام عليم} يعني أنهم بشروه بولد ذكر غلام في صغره عليم في كبره، وقيل عليم بالأحكام والشرائع والمراد به إسحاق عليه السلام فلما بشروه بالولد عجب إبراهيم من كبره وكبر امرأته {قال أبشرتموني} يعني بالولد {على أن مسني الكبر} يعني على حالة الكبر، قال على طريق التعجب {فبم تبشرون} يعني فبأي شيء تبشرون، وهو استفهام بمعنى التعجب كأنه عجب من حصول الولد على الكبر {قالوا بشرناك بالحق} يعني بالصدق الذي قضاه الله بأن يخرج منك ولداً ذكراً، تكثر ذريته وهو إسحاق {فلا تكن من القانطين} يعني فلا تكن من الآيسين من الخير. والقنوط: هو الإياس من الخير {قال} يعني إبراهيم {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} يعني من ييأس من رحمة ربه إلا المكذبون، وفيه دليل على أن إبراهيم عليه السلام لم يكن من القانطين، ولكنه استبعد حصول الولد على الكبر فظنت الملائكة أن به قنوطاً فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أن القانط من رحمة الله تعالى من الضالين لأن القنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكر الله ولا يحصل إلا عند من يجهل كون الله تعالى قادراً على ما يريد، ومن يجهل كونه سبحانه وتعالى عالماً بجميع المعلومات فكل هذه الأمور سبب للضلالة {قال} يعني إبراهيم {فما خطبكم} يعني فما شأنكم وما الأمر الذي جئتم فيه {أيها المرسلون} والمعنى ما الأمر الذي جئتم به سوى ما بشرتموني به من الولد {قالوا} يعني الملائكة {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} يعني لهلاك قوم مجرمين {إلا آل لوط} يعني أشياعه وأتباعه من أهل دينه {إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته} يعني امرأة {لوط قدرنا} يعني قضينا وإنما أسند الملائكة القدر إلى أنفسهم وإن كان ذلك لله عز وجل، لاختصاصهم بالله وقربهم منه كما تقول خاصة الملك نحن أمرنا، ونحن فعلنا وإن كان قد فعلوه بأمر الملك {إنها لمن الغابرين} يعني لمن الباقين في العذاب والاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي فاستثناء امرأة لوط من الناجين يلحقها بالهالكين.


{فلما جاء آل لوط المرسلون} وذلك أن الملائكة عليهم السلام لما بشروا إبراهيم بالولد، وعرفوه بما أرسلوا به ساروا إلى لوط وقومه فلما دخلوا على لوط {قال إنكم قوم منكرون} وإنما قال هذه المقالة لوط لأنهم دخلوا عليه وهم في زي شبان مردان حسان الوجوه، فخاف أن يهجم عليهم قومه فلهذا السبب قال هذه المقالة. وقيل: إن النكرة ضد المعرفة فقول: إنكم قوم منكرون يعني لا أعرفكم ولا أعرف من أي الأقوام أنتم، ولا لأي غرض دخلتم فعند ذلك {قالوا} يعني الملائكة {بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} يعني جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه {وأتيناك بالحق} يعني باليقين الذي لا شك فيه {وإنّا لَصادقون} يعني فيما أخبرناك به من إهلاكهم {فأسر بأهلك} بقطع من الليل يعني آخر الليل، والقطع القطعة من الشيء وبعضه {واتبع أدبارهم} يعني واتبع آثار أهلك وسر خلفهم {ولا يلتفت منكم أحد} يعني حتى لا يرى ما نزل بقومه من العذاب فيرتاع بذلك، وقيل: المراد الإسراع في السير وترك الالتفات إلى ورائه، والاهتمام بما خلفه كما تقول امض لشأنك ولا تعرج على شيء وقيل جعل ترك الالتفات علامة لمن ينجو من آل لوط ولئلا يتخلف أحد منهم فيناله العذاب {وامضوا حيث تؤمرون} قال ابن عباس: يعني إلى الشام وقيل: الأردن، وقيل إلى حيث يأمركم جبريل وذلك أن جبريل أمرهم أن يسيروا إلى قرية معينة ما عمل أهلها عمل قوم لوط {وقضينا إليه ذلك الأمر} يعني وأوحينا إلى لوط ذلك الأمر الذي حكمنا به على قومه، وفرغنا منه ثم إنه سبحانه وتعالى فسر ذلك الأمر الذي قضاه بقوله: {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} يعني أن هؤلاء القوم يستأصلون عن آخرهم بالعذاب وقت الصبح وإنما أبهم الأمر الذي قضاه عليهم أولاً، وفسر ثانياً تفخيماً له وتعظيماً لشأنه {وجاء أهل المدينة} يعني مدينة سدوم وهي مدينة قوم لوط {يستبشرون} يعني يبشر بعضهم بعضاً بأضياف لوط والاستبشار: إظهار الفرح والسرور، وذلك أن الملائكة لما نزلوا على لوط ظهر أمرهم في المدينة وقيل إن امرأته أخبرتهم بذلك، وكانوا شباناً مرداً في غاية الحسن ونهاية الجمال فجاء قوم لوط إلى داره طمعاً منهم في ركوب الفاحشة {قال} يعني قال لوط لقومه {إن هؤلاء ضيفي} وحق على الرجل إكرام ضيفه {فلا تفضحون} يعني فيهم يقال فضحه يفضحه إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بسببه {واتقوا الله} يعني خافوا الله في أمرهم {ولا تخزون} يعني ولا تخجلون {قالوا} يعني: قوم لوط الذين جاؤوا إليه {أولم ننهك عن العالمين} يعني أولم ننهك عن أن تضيف أحداً من العالمين. وقيل: معناه أو لم ننهك أن تدخل الغرباء إلى بيتك، فانا نريد أن نركب منهم الفاحشة: وقيل: معناه ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من العالمين إذا قصدناه بالفاحشة.


{قال} يعني لوط لقومه الذين قصدوا أضيافه {هؤلاء بناتي} أزوجكم إياهن إن أسلمتم فأتوا الحلال ودعوا الحرام وقيل: أراد بالبنات نساء قومه لأن النبي كالوالد لأمته {إن كنتم فاعلين} يعني ما آمركم به {لعمرك} الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: معناه وحياتك يا محمد وقال ما خلق الله نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما أقسم بحياة أحد إلا بحياته والعمر واحد وهو اسم لمدة عمارة بدن الإنسان بالحياة والروح وبقائه مدة حياته. قال النحويون: ارتفع لعمرك بالابتداء والخبر محذوف والمعنى لعمرك قسمي فحذف الخبر لأن في الكلام دلالة عليه. {إنهم لفي سكرتهم} يعني في حيرتهم وضلالتهم وقيل غفلتهم {يعمهون} يعني يترددون متحيرين وقال قتادة: يلعبون {فأخذتهم الصيحة مشرقين} يعني حين أضاءت الشمس فكان ابتداء العذاب الذي نزل بهم وقت الصبح وتمامه وانتهاؤه حين أشرقت الشمس {فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} تقدم تفسيره في سورة هود {إن في ذلك} يعني الذي نزل بهم من العذاب {لآيات للمتوسمين} قال ابن عباس: للناظرين. وقال قتادة: للمعتبرين. وقال مقاتل: للمتفكرين. وقال مجاهد: للمتفرسين ويعضد هذا التأويل ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. الفراسة بالكسر اسم من قولك تفرست في فلان الخير. وهي على نوعين: أحدهما ما دل عليه ظاهر الحديث، وهو ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بذلك أحوال الناس بنوع من الكرامات، وإصابة الحدس والنظر والظن والتثبيت، والنوع الثاني ما يحصل بدلائل التجارب والخلق والأخلاق تعرف بذلك أحوال الناس أيضاً وللناس في علم الفراسة تصانيف قديمة وحديثه. قال الزجاج: حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتين في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وصفته وعلامته فالمتوسم الناظر في سمة الدلائل، تقول توسمت في فلان كذا أي عرفت وسم ذلك وسمته {وإنها} يعني قرى قوم لوط {لبسبيل مقيم} يعني بطريق واضح. قال مجاهد: بطريق معلم ليس بخفي ولا زائل والمعنى: أن آثار ما أنزل الله بهذه القرى من عذابه وغضبه لبسبيل مقيم ثابت لم يدثر ولم يخف، والذين يمرون عليها من الحجاز إلى الشام يشاهدون ذلك ويرون أثره {إن في ذلك} يعني الذي ذكر من عذاب قوم لوط، وما أنزل بهم {لآية للمؤمنين} يعني المصدقين لما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم {وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين} يعني كان أصحاب الأيكة وهي الغيضة، واللام في قوله لظالمين للتأكيد وهم قوم شعيب عليه السلام كانوا أصحاب غياض، وشجر ملتف وكان عامة شجرهم المقل وكانوا قوماً كافرين فبعث الله عز وجل إليهم شعيباً رسولاً فكذبوه فأهلكهم الله فهو قوله تعالى: {فانتقمنا منهم} يعني بالعذاب وذلك أن الله سبحانه وتعالى سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى أخذ بأنفاسهم وقربوا من الهلاك فبعث الله سبحانه وتعالى كالظلة فالتجؤوا إليها، واجتمعوا تحتها يلتمسون الروح فبعث الله عليهم ناراً فأحرقتهم جميعاً {وإنهما} يعني مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة {لبإمام مبين} يعني طريق واضح مستبين لمن مر بهما، وقيل: الضمير راجع إلى الأيكة ومدين لأن شعيباً كان مبعوثاً إليهما وإنما سمي الطريق إماماً لأنه يؤم ويتبع، ولأن المسافر يأتّم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده.
قوله عز وجل: {وقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} قال المفسرون: الحجر اسم واد كان يسكنه ثمود وهو معروف بين المدينة النبوية والشام وآثاره موجودة باقية يمر عليها ركب الشام إلى الحجار، وأهل الحجاز إلى الشام وأراد بالمرسلين صالحاً وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع للتعظيم أو لأنهم كذبوه، وكذبوا من قبله من الرسل.

1 | 2 | 3 | 4